الحقوق والمرأة العربية

Advertisements

الحقوق والمرأة العربية

 

من الواضح ان القوانين الخاصة بالمرأة العربية تعكس اوضاعها الاخرى، اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وسياسيا. وبوجه عام لم تحرز المرأة العربية حقوقها المدنية الكاملة، وان كانت قد أحرزت نظريا حقوق التجارة والملكية الخاصة للمنقول وغير المنقول، وحقوق اجراء العقود والموجبات. نقول انها احرزتها نظريا فقط، اذ اننا نلاحظ في الواقع ان اكثرية المالكين والتجار والرأسماليين العرب هم من الرجال اطلاقا.

كما نلاحظ انه لا يزال يسود معظم الأقطار العربية اتجاه تقليدي ينزع حتى الان الى حرمان المرأة من حقوقها المدنية العامة، والتعامل معها كحریم ،حدیث مفروض عليه التحجب والاختفاء في عصر انقلبت فيه وتكاد تتبدل جذريا .

وان الحقوق المهنية للمرأة العربية – حق العمل، حق الانتساب للنقابات – لم تكتسب بعد مداها التغييري الفعال، ولكنها بدأت تثير بشكل ملموس و محدود مشكلات العمل النسائي والاجور والعطلات والضمانات وسواها .

واما من جهة حقوقها السياسية، فالاوضاع تختلف من بلد الى آخر: فاكتسبت المرأة حقها في الانتخاب، وعلاوة على ذلك نالت حقوقها في الوظائف كما وارتقى بعض النساء العربيات الى الاضطلاع بمسؤوليات في البلديات والمجالس النيابية والشعبية وفي الوزارات احيانا. .. يضاف الى ذلك ان حقوق المرأة العربية في الاسرة لم تتبدل كثيرا ، اذ انها لا تزال تعتبر وسيلة للمتعة والانتاج ،

 ولا تزال المرأة تضرب في الاسرة – وان خف الضرب عن العصور السالفة – ومبدأ تعدد الزوجات لم يلغ الا في تونس ربما تحت تأثير الثقافة الغربية، ولكن منع التعدد قانونا يفرض بعد في بقية البلدان العربية وان اخذ الواقع الاقتصادي والاجتماعي للزوج يفرض عليه مبدئيا الاكتفاء بامرأة شرعية واحدة. ومن جهة ثانية لا يزال الرجل متمتعا بحقه المطلق في الطلاق على انواعه طلاق رجعي، طلاق بائن بينونة صغرى اي عقد الزواج من جديد ، وطلاق بائن بينونة كبرى اي زواج المرأة المطلقة من رجل آخر، ثم بعد طلاقها منه، عقد زواجها مجددا على زوجها (الأول) .

والاستنتاج الاساسي هو ان الوطن العربي لم يشهد بعد تشريعا جديدا لاوضاع المرأة العربية وانما شهد اصلاحات ثانوية في حقوقها، وحافظ على ثنائية التشريع لا سيما في الاحوال الشخصية، ومثال ذلك لبنان وتعريف الزواج هو : اقتران احد الشيئين بالآخر وازدواجها . فالقران هو الزواج والنكاح والضم. والمرأة تحت قوامة الرجل (كما رأينا فلانة تحت فلان)، فهو رأس للمرأة، لاجل توحيد القيادة للشركة الزوجية. ويكون جسد المتعاقدين هو موضوع التعاقد في الزواج، ويعللون سبب هذا العقد بولادة البنين وتربيتهم ودواء الشهوة ( وجوب المجامعة والمساكنة). ويميزون بين زنا الزوج وزنا الزوجة، ويعتبرون زنا المرأة مانعا لاستمرار زواجها واما زنا الزوج فليس مانعا .

وفي الزواج يميزون بين المهر والجهاز فالمهر هو ه ما يقدمه الرجل للمرأة لقاء الزواج ويمكن ان يكون نقدا او مجوهرات او عقارا » . والمهر لا يترتب للزوجة لمجرد العقد ( عند الطوائف المسيحية) ولا بد ان يتعهد به الزوج خطيا او شفهيا واما في الشرع الاسلامي فالمهر يترتب على الزوج لمجرد عقد الزواج. ونلاحظ ان المهر لا يستحق عند المسيحيين الا بالزواج المكتمل، وأنه اصبح نادرا جدا في زواجهم، ومستمرا في زواج المسلمين على اختلاف مذاهبهم.

 

هذا ويعتبر الجهاز ما تأتي به المرأة الى ا، بيت الزوج من اثواب ومصاغ وامتعة من مالها الخاص او من مال ذويها ، تملك جهازها بمجرد قبضه ممن تبرع به ولكن لزوجها حق الانتفاع به بإذنها ورضاها! والعائلة ليست الزوجين فحسب، وانما هي ذات معنى واسع، وتشمل مجموع الافراد الذين تضمهم القرابة La Parente أو المصاهرة L’Alliance . فمن جهة القرابة قانونا وعرفا هي الرابطة الدموية التي تصل بين اشخاص متناسلين بعضهم من بعض، او نازلين جميعا من اصل جامع Auteur Commun ويميزون بين القرابة بالخط المستقيم (الجد، الاب، الابن ابن الابن الخ .) وبين قرابة الحواشي ( الاخوة ، العمومة ، الخؤولة، وفروعها جميعا). ومن جهة ثانية تعتبر المصاهرة رابطة شرعية تصل كلا من الزوجين بأقارب الاخر، ويترتب عليها حرمة تشكل بعض موانع الزواج . وأما النسب فهو القرابة بكل اشكالها ( ابوة، بنوة، عمومة ، خؤولة) ويعتمد خط القرابة ودرجة القرابة في تحديد الارث، فيميزون بين القرابة العصبية وغير العصبية.


قد كانت القاعدة الحقوقية القديمة عند العرب تقول: «ايما رجل كانت له جارية ادبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها واعتقها وتزوجها فله اجران . ولكن هذا القول الذي لا يزال ساريا في اشكال مختلفة، لم يلغ الشرط العبودي للمرأة المرتكز اقتصاديا على استغلال اجتماعي وارتهان ثقافي وتبعية سياسية،

والمتمثل في الاسرة من خلال تعقدات سيطرة الرجل، والولاية المترتبة على المرأة من جراء نمط القرابة العصبية ) ففي البنوة مثلا اذا كان لمجنون اب وحفيد، فالحفيد وليه في الزواج، وفي الاخوة اذا كان لشخص عم وابن ابن شقيق فالولاية للاخير وفي الابوة، اذا كان لشخص جد أبو اب واخ وشقيق فالجد وليه في الزواج، واخيرا في الامومة : اذا كان لشخص ابن ابن عم وام، فابن العم وليه في الزواج) . اذن نمط القرابة العصبية هو نمط قرابة الذكور، نمط سيطرة نظام الابوة، سيطرة الرجال وولايتهم على المرأة والمتنزلين منها . واما قرابة الام فهي قرابة غير عصبية ) ، اذن هامشية، خاضعة . لكن ماذا تعني ولاية الاب؟ اجبار اولاده الذكور والاناث) غير المكلفين، على الزواج. وهذا يسمونه « ولاية النفس والمال ويستندون في تبريره الى الحديث القائل : « انت ومالك لابيك وليس لامك معا .

واذا كان القانون الفرنسي يحدد السلطة الأبوية للابوين (الرجل والمرأة معا، وبعد وفاة الزوج تكون الولاية للام على اولادها، فان الشرع الاسلامي يحصر الولاية في الاب عند وجوده وفي الجد الصحيح ( ابو الاب) عند عدمه وتحرم المرأة من ولاية اولادها على الاقل، بينما هي التي تقوم بانجابهم وتربيتهم وأحيانا باعالتهم من عملها المنزلي ( خادمة الخ.) ومن عملها الزراعي او الصناعي او في قطاع الخدمات على انواعه .

وليس للمرأة حق القرار في منزل الزوجية، فالشرع يعتبره «حقا لزوجها.. ومن هنا ظاهرة ولاية الاب المطلقة : ( أحق النساء بامساك البنت حتى زواجها ابوها ان كان أمينا غير مفسد، والا فجدها الصحيح، وان لم يكن لها جد فأقرب عصباتها من الرجال المحارم كلا عمام، ولا يجوز لغير المحارم – كأبناء العم – أمساكها ابدا . . ويعتبر البعض ان ولاية الجبر في الزواج مخالفة لاحكام الشريعة، معللين موقفهم بالقول : الولي في النكاح هو العصبة بنفسه » ، بينما اعتبر البعض الاخر ان الولي في عقد الزواج هو الاب والجد لاب والحاكم الشرعي»، وليس المرأة ايضا في كلا الحالتين .

 

واختلفت المذاهب الفقهية الاسلامية ايما اختلاف، في تحديد سن زواج الذكر والانثى الذكر زواجه في الثامنة عشرة والانثى في السابعة عشرة، وعلى الانثى استشارة وليها في كل الاحوال ، ولكن قانون الاحوال الدرزية يقول بتحرير الانثى من استشارة الولي، بعد بلوغها الحادية والعشرين. واما الفقه الشيعي فيحدد بلوغ الذكر بسن الخامسة عشرة وبلوغ الانثى بسن التاسعة، ويرفع الولاية عن الفتى الراشد والفتاة الراشدة .

ومهما تكن الآراء المتفقة والمختلفة فهناك اجماع على استبعاد المرأة من ميدان المسؤولية : ليس للام ولا لغيرها من الاقارب ـ كالأخ والعم وسائر العصبات وذوي الارحام – ولاية عل المال. فوصي الام وصي ضعيف، ويقال له اضعف الوصيين، ووصي الاب والجد والقاضي وصي قوي، يقال له اقوى الوصيين » .

 

واما عند المسيحيين العرب، فلا يستطيع الرجل ان يعقد زواجا صحيحا قبل تمام ١٦ سنة من عمره، ولا المرأة قبل تمام ١٤ سنة من عمرها (قانون ٥٧، المجمع)، الا انه يصح مع التفسيح زواج الصغير الذي اتم الرابعة عشرة، وزواج الصغيرة التي اتمت الثانية عشرة (نفس المصدر قانون (۳۲).

 

وتختلف المذاهب حول تحرير القاصر وعدم تحريره: فالمذهب الحنفي يقول ان الزواج لا يحرر القاصر، والمذهب الشافعي يقول بتحريره، معتمدا على مبدأ ولاية النفس فقط » .

الحقوق والمرأة العربية

واخيرا لا بد من التنويه بأهلية المرأة : لقد كان الرومان يعتبرون المرأة عديمة الاهلية لـ « نقصان عقلها»، فكانت تظل تحت الوصاية طيلة حياتها . وفي فرنسا، ظلت شهادة المرأة على العقود الخاصة والرسمية غير مقبولة حتى عام ۱۸۹۷ ، وظلت ممنوعة من التوقيع على كمبيالة حتى عام ۱۹۲۲ ، كما ان المرأة المتزوجة كانت حتى عام ۱۹۳۸، ممنوعة من اجراء اي عقد من عقود التصرف بدون ارادة زوجها .

واما الشريعتان الاسلامية والمسيحية فكانتا تنهجان اتجاهات عدة بالنسبة الى اهلية المرأة: بعض المذاهب يقول بمساواة في الاهلية بين المرأة والرجل، والبعض الآخر يقول ( سائرا على مذهب ابن حزم بالحجر على النساء لانهن « غير رشيدات و بادخالهن في طائفة السفهاء . واذا كان التشريع الديني قد اعترف بأن اهلية المرأة كاهلية الزوج في مالها ، فقد حرمها من الاهلية النفسية ) وبالتالي من اهلية المال) ووضعها تحت سلطة الزوج، ملزما اياها : بالاقامة والسفر مع الزوج، بالطاعة زوجها فيما هو مباح شرعا كالاشراف على زياراتها وتقييدها، وباكتساب جنسية زوجها وحمل اسمه ان التشريع الديني هو الذي يحكم اوضاع المرأة في مجمل البلدان العربية، وأن برزت محاولات تشريع بديلة لم يكن القصد منها تحرير المرأة ، وانما ادخالها في مسار الاستغلال كلعبة ، ومثال ذلك ما تقوله المادة 11 من قانون التجارة اللبناني : ان المرأة المتزوجة، مهما تكن احكام القانون الشخصي الذي تخضع له، لا تملك الاهلية التجارية الا اذا حصلت على رضى زوجها الصريح او الضمني . وهذا ينسف اهلية المرأة في مالها ونفسها معا .

اترك رد