Advertisements

المرأة العربية والتطور الثقافي

الكاتب: د.خليل أحمد خليل

رأينا ان تعليم المرأة كان من المحظورات: « جنبوهن الكتابة و القبر ولا المدرسة في آخر العصر العثماني. والاستعمار، مثل الرجعية، من الد اعداء نهضة المرأة وتعليمها. ويذكر سلامة موسى ان الانكليز في مصر منعوا تدريس كتاب رفاعة الطهطاوي (المرشد الامين للبنات والبنين الذي كان يدرس في المدارس الوطنية. كما ان الاستعمار كان يفرض البراقع على البنات في المدارس حتى الابتدائية .

ويذهب البعض الى ربط بداية تعليم المرأة بالارساليات الاجنبية، ونحن نذهب مذهبا اخر، فنقول ان تعليم المرأة كان يتم على اصول التعليم السلفي في الكتاتيب، حيث كان يجري تعليم البنات والبنين، وحيث كانت الشيخات او الاخوات يقمن بهذا الدور. الا انه من الثابت ان التعليم العربي اخذ يتحدث، ولقد لعبت الارساليات دورا في تحديثه واستعماره.

يذكر جورج انطونيوس” ان لبنان قد عرف سنة ١٨٣٤ اول مدرسة لتعليم البنات عندما قام ايلي سميث وزوجته بتأسيس مدرسة للاناث في بيروت في بناء خاص بها. وكانت المدرسة التي اسستها زوجة ايلي سميت اول مدرسة في بلاد الشام اقيم لها بناء خاص لتكون مدرسة للبنات .. 

وقد طرأ – بعد تأسيس هذه المدرسة في تلك البلاد التي تهمل المرأة اهمالا يكاد يكون شاملا من التحول ما يثير الدهشة والاعجاب، ففتحت مدارس كثيرة على غرارها وما أن وافت سنة ١٨٦٠ حتى كانوا قد أسسوا ثلاثا وثلاثين ،مدرسة، تضم نحو الف تلميذ خمسهم تقريبا ( ٢٠٪) من البنات وقد اسست راهبات المحبة والمنظمات الدينية الاخرى مدارس للبنات وصغار البنين في بيروت وبعلبك ودمشق وفي مناطق متعددة من جبل لبنان كذلك قامت الجمعيات الخيرية الاسلامية بأعمال مماثلة انطلاقاً من عام ۱۸۷۵ . ولكن كل هذا من التاريخ، فاليوم اصبحت ابواب المدارس والجامعات مفتوحة امام المرأة حتى في اكثر البلدان العربية محافظة وتخلفا.

ان ذهنية البنات يا زيجتها ، یا جنازتها ، وذهنية و العقل زينة وصاحبته حزينة – ولم يقولوا صاحبه حزين – قد بدأت تنهار منذ مطلع هذا القرن في البلاد العربية ولكن المعاهد والمدارس والجامعات الاجنبية ما زالت تطبق بقبضتها السالبة على المرأة في داخلها . واذا كان امامنا الان مثل كلية بيروت للبنات ( الاميركية) ، فان هذا المثل يتكرر منذ قرن على امتداد الوطن العربي. يقول الدكتور جورج حنا منتقدا الروح الاستعلائية ( الاستعمارية) التي كانت تغمر المعاهد الاجنبية في الماضي والتي ما زالت تغمرها حتى الان : « … ورثيت لناشئة ، هي املنا ، تتولاها مؤسسات تعبث بقدسية اشرف رسالة ورثيت لبلد يستحيل فيه اذلال النفوس على ايدي من ينترض فيهم اعزاز النفوس . وثارت نفسي على وزارة للتربية لا تفقه شيئا من اصول التربية.

بكلمة انهم يريدون من التعليم ان تظل المرأة العربية تجهل انها امرأة مضطهدة مع الرجل، وانها فتاة الثورة وليست امرأة الخضوع والاستسلام . ان مصر وحدها قد احدثت ثورة فعالة في مجال تحرر المرأة علما وعملا.

وبعد، فلا بد من سؤال هل تستهلك المرأة العربية المتعلمة ما تحتاجه ثقافيا لكي تسهم في الانتاج الثقافي العربي؟ في الواقع يتميز الاستهلاك الثقافي العربي بالرداءة عموما (وفرة المؤلفات غير العلمية وانعدام الروائع الادبية والفلسفية، ورداءة التثقيف الاعلامي في الصحافة والاذاعة والتلفزيون : ظروف التخلف والامية والاستعمار الثقافي والاقتصادي ) . 

 

ولكن لا بد لنا بدورنا من التمييز بين استهلاك عامة المتنورين والمتعلمين واستهلاك ذوي الاختصاص والابداع. فالاستهلاك الاول هو السائد والاكثر انتشارا، ولكنه الاقل تحويلا وتغييرا في النوعية الثقافية عند المرأة العربية بوجه خاص، التي غالبا ما يقف تعليمها عند مستوى الابتدائي ويأخذ بالتناقص تدريجا كلما انتقلنا الى الثانوي فالجامعي . والاستهلاك الثاني هو الاقل – مع انه الاكثر نفعا وتأهيلا للانتاج الثقافي – وهذا ما نلاحظه بشكل واضح في عدم رواج الكتب العلمية والفلسفية وروائع الادب والفكر والفن في الوطن العربي عموما، بالمقارنة مع رواج كتب وأفلام وبرامج الثقافة السطحية والمعـاديـة غـالـبـا لـروح التطـور ومتطلبات التغيير والتقدم في الوطن العربي.

واذا اخذنا على سبيل المثال لبنان الذي يسجل أعلى رقم عربي في تعليم البنات ( المرحلة الابتدائية)، لاحظنا ان ثقافة البنات المنقطعات عن التحصيل هي في مستوى الحس الشعبي المشترك، وان تعليمهن لم يؤهلهن لاجتياز عتبة التحرر من التقاليد والافكار الغيبية والاسطورية السائدة، كما نلاحظ ان استهلاكهن الثقافي منحصر عموما في الاستماع للاذاعة، ثم مشاهدة التلفزيون، وبدرجة أقل قراءة صحف سياسية، ولكن مع ارتفاع في قراءة المجلات الغرامية والجنسية، ثم شبه انعدام في مطالعة الكتب . وحتى ولو كانت من صنف الروايات البوليسية.

 

ومن جهة ثانية نلاحظ انتشار استهلاك ثقافة متوسطة في صفوف المتعلمات حتى المرحلة الثانوية، مع اهتمام أكثر بمطالعة الكتب التي تتناول هموم العصر الراهنة. واخيرا، تأتي فئة ذوات الاختصاص والتحصيل الجامعي ، اللواتي يصرفن استهلاكهن الثقافي للمشكلات الاجنبية – وذلك بحكم اختصاصهـن والمؤسسات التي درسن فيها .

ومما يجدر بنا ملاحظته توافق التعليم والاستهلاك الثقافي والانتاج الثقافي . ان معظم الانتاج الثقافي عند المرأة العربية يتميز كمجمل النتاج الثقافي العربي بصفة أدبية عامة . فمنذ عام ۱۸۷۵ ، شهدت السوق العربية انتاج الأدبيات الذاتية، فأنشأت هند نوفل مجلة : الفتاة، سنة ١٨٩٣, وظهرت شاعرات وكاتبات في لبنان امثال الشاعرة وردة اليازجي وماري نحاس ومريانا مراش وزينب فواز وهنا كوراني وجوليانا طعمة دمشقية صاحبة مجلة المرأة الجديدة التي ظهرت سنة ١٩٢١ . وأما مي زيادة ( ١٨٨٦ – ١٩٤١) فقد ظهر لها مؤلفات والمساواة ، و رجوع الموجة » ، « الحب العذري » و « دروس في اللغة والادب والصحافة). ونور سلمان، ومني جبور وليلى بعلبكي وليلى عسيران، وناديا تويني (شاعرة بالفرنسية) واندریه شدید ولور ،غریب وربما علم الدين وماري خياط الخ . كما يجدر بنا التشديد على اهتمام المرأة بالكتابة الصحافية، وقد ذكرنا في سياق هذه الدراسة اسماء عديدة – اميني فارس ابراهيم، مقبولة الشلق، نازك عابد بيهم وسواهن ، وهذا الاهتمام النسائي بالصحافة العربية تبلور في مصر ولبنان بشكل خاص حيث ظهر ما بين ۱۸۹۳ (مجلة الفتاة) و ١٩٤٣ (صوت المرأة حوالي ٢٦ مجلة نسائية . وفي العشرين سنة الاخيرة، بلغ عدد الصحف والمجلات النسائية في لبنان ١٦ ، منها ٩ بالعربية و ٦ بالفرنسية وواحدة بالانكليزية، وهذه كلها تظهر تارة وتحتجب تارة (الحسناء، ياسمين الخ)، وقد تأسست في المهجر مجلة المراجل بالعربية والبرازيلية وغايتها احياء اللغة العربية عند المهاجرين اللبنانيين والعرب عموما 

المرأة العربية والتطور الثقافي

وفي الموسيقى ابدعت ديانا تقي الدين واميرة الحوماني، كما اشتهرت في الرسم والنحت معزز روضة (منحوتات)، سلوى روضة شقير (رسوم تجريدية)، جوليانا ساروفيم ( مدهشات وغرائب)، بيبي زعني (طبيعة وازهار) اوديل مظلوم وصوني يرانيان وعايدة ماريني وروزيت بستاني واسبرانس غريب وايلين الخال (رسوم وفي الموسيقى ابدعت ديانا تقي الدين واميرة الحوماني، كما اشتهرت في الرسم والنحت معزز روضة (منحوتات)، سلوى روضة شقير (رسوم تجريدية)، جوليانا ساروفيم ( مدهشات وغرائب)، بيبي زعني (طبيعة وازهار) اوديل مظلوم وصوني يرانيان وعايدة ماريني وروزيت بستاني واسبرانس غريب وايلين الخال (رسوم تجريدية). ودخلت المرأة العربية المسرح والسينما والاذاعة والتلفزيون بخطى واثقة وقوية . ولا مجال لتعداد الممثلات والمذيعات فهن كثيرات ومعروفات.

لكن يبقى من واجبنا معالجة مسألة بالغة الاهمية : ماذا يخدم هذا الاستهلاك الثقافي وهذا الانتاج الثقافي ؟ هل يخدم تحرر المرأة العربية أم انه يزيد في استلابها ؟ في تبعيتها وتقليدها ؟ لا شك أنه باتجاهه العام يساهم في تحررها، ولكن لا بد من تطوير اشكال الثقافة العربية وتعميق مضمونها ، وللمرأة دور أساسي كالرجل المتطور، في هذا الميدان .


سنكتفي هنا بمثل ثقافي عام هو الرقص والغناء. نحن نعرف أن الرقص والغناء لهما صلة وطيدة بالتحرر الشخصي لدى المرأة العربية، لانها يرافقان تحركها – من دروب العين في الريف حتى العرزال والكروم والنزهات والخروج من البيوت عموما في المدن والقرى . علاوة على ذلك فان الرقص والغناء من النتاج الشعبي الجماعي : فهما اصلا عبادة وصلاة في الشوارع والمزارات وفي موسم الحصاد (شكر الآلهة وتكريمها)، ولكنهما تجردا من طابع الطقوس الدينية والعبادية، وانحصرا في الطابع الفني، واصبحا يتميزان بقواعد واصول ويستلزمان تخصصا فنيا رفيعا – والدبكة مع المجوز تنقل الينا حركات الوجه العربي المعبرة عن العزة والرجولة والفروسية، المنتظمة مع رفسة ثائرة متوترة .

مثلا

فماذا حل بعلاقة الرقص مع المرأة العربية ؟ يقول سلامة . موسى : والذي جعل الرقص مكروها في مصر انه قد انحط وسفل حتى صار حركات جنسية، يشمئز منها الرجل السامي والمرأة السامية. والذي احدر الرقص المصري، بل الشرقي كله الى هذه الحالة التعسة هو تفشي الرق … فلما

.

زال الرق بقيت عند المرأة المصرية والعربية عموما، تقاليده، وهذا يعني ان الراقصة الباقية على تقاليد الرق تعبر عن الشهوة الجنسية باسراف ووقاحة، لانهم لا يريدون من الراقصة العربية ان تؤدي تعبيرا فنيا رائعا، بل أن تعرب عن الاحساس الجنسي – والجنسي فقط ـ في الرقص . وهذا بدون شك استلاب لانسانيتها . و ان الرقص هو المرانة الابتدائية للحب وهو اعظم ما يصدّ عن الشذوذ الجنسي والعادات الخفية وعذاب الخواطر الجنسية المضنية والبعد عن الحقائق، اذ هو يجمع بين الشاب والفتاة في شهامة واحترام وطرب. ولذلك انادي راقصاتنا : انظرن الى أعلى حين ترقصن وارقصن مثل ( بافلوفا . وانادي اساتذة جامعاتنا : علموا شبابنا وفتياتنا الرقص حتى نكفل به لهم الصحة الجنسية، وحتى يتهيأوا به للحب الجميل. اوجدوا لنا فرقة للباليه امتعونا وعلمونا وصححوا غرائزنا حتىلا نكون نواسيين .

يبقى ان نشدد على ان المرأة العربية حينما تستسلم للتقاليد والتبعية انما تساهم بدورها في استمرار استلابها الثقافي وتعوق بنفسها مسيرة تحررها، المرتبطة جذريا بمسيرة تحرر مجتمعها بأسره من الكوابح الاستعمارية والرجعية والطبقية الاستغلالية .