لماذا نحن بحاجة إلى تسليط الضوء
على التحرش الجنسي في الحقل الطبي؟
“تعرضت للتحرش من قبل طبيبي الذي يتابع حالتي وفي كل مرة أذهب للمراجعة كان يقوم بإخبار أبي بالانتظار خارجا وعندها يقوم بالتحرش بي عبر إمساك ثديي بقوة وينظر إلي بطريقة مقززة، لم أعد أريد الذهاب للطبيب من بعد ماحصل وتحملت الألم وعندما شكت أمي بي قامت بسؤالي وأخبرتها بالحقيقة حاولت تقديم شكوى ولكن لم يصدقها أحد فلا يوجد دليل”.
قدم الطب خدمات كبيرة للبشرية وهو مجال مليء بالناس الذين أفنوا أعمارهم في خدمتنا وإنقاذ حياتنا، لكنه مجال أيضا لاينفصل عن المنظومة الأبوية التي تساهم في تحويل حياة النساء لجحيم حتى وإن كن في حاجة للعلاج.
فقد ارتبط تاريخ الطب الحديث بالعديد من الانتهاكات الجسدية والنفسية والجنسية في حق النساء، خصوصا إذا مانظرنا لحقيقة أنه مثل باقي المجالات ظهر وتطور في ظل عالم محكومٍ من السلطة الأبوية.
حيث ساهم هذا الحقل عبر العصور في صنع العديد من الخرافات عن طبيعة جسد المرأة وقدم ذلك كحقائق نهائية، بينما كانت مجرد أفكار متأثرة بشكل كبير بالثقافة الأبوية السائدة. هذا أدى إلى إختلاق أمراض لا وجود لها، وإلصاق أفكار مغلوطة بأجسادهن مثل “وهم البكارة” و”الهيستيريا” واختراع علاجات وفحوصات كانت عبارة عن تشويه وتعذيب للنساء مثل “فحوصات العذرية” وسجن النساء في مصحات عقلية. كما ساهم هذا الحقل في الإهمال المتعمد لصحة النساء من خلال تجاهل آلامهن واتهامهن بالمبالغة والجنون، وعدم بذل كبير الجهد في تحسين صحتهن أو عدم تعريضها للخطر كما يحصل مع مضاعفات موانع الحمل التي نرى عدم بذل جهودٍ كافية فيها لتقديم أدوية دون تأثيرات كبيرة على صحة النساء.
كما أنه حقل له تاريخ تتقاطع فيه الذكورية مع العنصرية، فها هو جيمس ماريون سيمز الملقب بأب طب النساء المعاصر والذي يعود له الفضل في اختراع العديد من الآلات والعلاجات التي تستخدم اليوم في الطب النسائي، كان يتخذ من أجساد النساء السود مسارحا لتجاربه الطبية دون موافقتهن بل وبتعذيبهن من خلال اجراء العمليات دون تخدير وقتل العديدات منهن نتيجة لذلك.
لايزال هذا الحقل رغم كل الانتهاكات بعيداً عن النقد أو إعادة تشكيله بمعزل عن المنظومات السلطوية التي تساهم في انتهاك النساء.
أطباء يعتدون خلف ستارة المهنة
رغم كثرة الحديث في المجالس السرية البعيدة عن أعين واتهامات الأبوية حول الاعتداءات الجنسية التي يقوم بها الدكاترة الرجال في حق المريضات، إلا أن الموضوع لايزال يحيط به الصمت نظراً لثقافة الاغتصاب السائدة وللقوة التي يملكها الرجال وتؤثر على مقدرة الضحايا على محاسبتهم.
فالتحرش يأتي من مركز قوة وسلطة، والرجال لديهم مراكز سلطوية على الصعيد السياسي والاجتماعي والمهني، والتي تشكل حماية لهم خصوصا مع واقع أن الأغلبية تصدق عبارة “الدكتور ينقذ الأرواح ” ومكانته العلمية والطبية تجعل منه بالضرورة شخصا نبيلاً لايمكن أن يقوم بارتكاب جريمة كهذه.
ولكنهم مخطئون تماما فلا يهم أي مهنة يزاولها من يملك السلطة مادام أنه قادراً على فرضها على أجساد النساء، بالتأكيد لا يوجد مايمنعه أو من يشك به.
لقد تحدثت إلى نساء أخبروني قصصا وتجارب بشعة ومؤلمة جداً حول تعرضهن للتحرش الجنسي من قبل أطباء يعملون في مجالات الطب النسائي ومجالات أخرى، ونساء كثيرات في دائرتي شاركن تجاربهن مع التحرش من قبل الأطباء والبعض منهن يتحفظن عن الحديث لأسباب تتعلق بالوصم ولوم الضحية، والأهم من ذلك أن هذا التحرش من الممكن أن يحرمهن من مراجعة الأطباء بسبب أن الرجال في العائلات الأبوية عوض أن ينظروا للتحرش كجرم يتحمله المعتدي، يقومون بالتحكم في حق النساء في الوصول للخدمات الصحية.
ثقافة التحرش الجنسي ولوم الضحية لم تؤثر فقط على قدرتنا كنساء على مشاركة مانتعرض له من انتهاكات يومية بل أثرت حتى على قدرتنا في تمييز الاعتداء أو تصنيفه، فالسيطرة الأبوية على أجسادنا أُتبعت بسيطرة أخرى على عقولنا وهي الخوف.
ورغم أن النساء حول العالم استطعن كسر حاجز الصمت وشاركن تجاربهن مع التحرش الجنسي بفضل الحركات العالمية التي ساعدت على توجيه الأنظار للمعتدي بدل من الضحية، مثل الحركة العالمية “أنا أيضاً” و “افضحي متحرش” التي قامت بها العديد من النساء في الشرق الأوسط وشمال افريقيا مثل السودان والسعودية ومصر، واستطاعت النساء من خلالها فضح المتحرشين في مواقع سلطة مثل الأحزاب السياسية والمجال الفني، لكن الاعتداءات التي تحدث في عيادات الأطباء لاتزال تشكل عقبة أمام قدرة النساء على ملاحظتها في الأساس حيث تشوش الفحوص باللمس في أماكن لاعلاقة لها بالفحص في قدرتهن على معرفة أن ماحصل لهن تحرش.
أثناء قرائتي للقصص التي شاركتها معي العديدات عندما طرحت تساؤلا حول إذا ماكن قد تعرضن من قبل للتحرش على أيدي الأطباء، لاحظت أن معظمهن لم يعلمن بأن ما يحصل معهن كان تحرش، إلا بعد أن عدن لمنازلهن وأخبرن نساء أخريات، ووجدن أنهن يتشاركن نفس المشاعر السيئة تجاه ما تعرضن له من تحرش أثناء تلقيهن للعلاج.
يستغل العديد من الدكاترة في هذا السياق صغر سن الضحايا وعدم تمييزهن للمواقف ويقومون بالاعتداء عليهن كما حصل مع إحدى الضحايا في عيادة الأسنان:
“ذهبت لطبيب الأسنان وبينما كان يقوم بتنظيف أسناني كان يقوم بالضغط على اثدائي كنت صغيرة جدا ولم أفهم ما يحصل”.
وأخرى تحكي عن استغلال أحد الأطباء للفحوص الجسدية في الاعتداء
“تعرضت للتحرش بعمر الثالثة عشر ذهبت لطبيب الباطنية وقام بلمس أماكن ليس لها علاقة بالمعدة، ولم أكن أعلم ماذا أفعل شعرت بالضيق”.
استغلال الأطباء لمهنتهم في التحرش يؤثر على مقدرة الضحايا في تحديد مايحدث أو ما إذا كان الطبيب يقوم بالعلاج والفحص بطريقة صحيحة أو يستغل ذلك لممارسة انتهاكٍ على جسد المريضة كما تشاركنا هؤلاء الضحايا:
“عندما كنت صغيرة ذهبت لطبيب وقام بوضع السماعة على صدري لسماع نبضات قلبي، هذه المره لم يكن الأمر كالمعتاد شعرت بخطأ ما، ولكن لم أستطع أن أجزم، كنت صغيرة وبريئة وظننت بأنه فقط يؤدي عمله”.
“ذهبت لإجراء فحص في المنطقة التي تقع أسفل ذراعي ولكنه قام بخلع حمالة صدري ولمس صدري عندها غضبت وقلت لا يتم الفحص هكذا!
وعندها شعر بالخوف وقام باخباري بأني مصابة بالتهاب في الوتر في كتفي ولكنه كان يكذب و قام باعطائي وصفة طبية لمسكن آلام ليتخلص مني قام بتشخيصي تشخيصا خاطئا”.
“عندما كنت بعمر السادسة عشر أصبت بالتهاب في الكلى وذهبت لطبيب المسالك البولية ولكن عند الكشف قام بوضع يده في الأسفل دفعت يده بعيدا وقلت له ألا تعلم أين تقع الكلية؟ لكنه لم يستمع لي كنت صغيرة وقام الحقير باستغلالي ولكني شعرت بحدوث شيء خاطئ”.
يستغل بعض الأطباء أيضاً الحالات التي تكون فيها المريضات في حالة تخدير تام أو جزئي ليقوموا بالاعتداء عليهن أو جعلهن موضوعاً للسخرية وانتهاك خصوصيتهن كما حدث مع هذه الضحية:
“ذهبت أمي لطبيب وكانت متعبة لدرجة الإغماء وقام الطبيب بالتحرش بها ولم تستطع الدفاع عن نفسها بسبب ثقل وعدم توازن جسدها بسبب الدوار والمرض والأرهاق، لم تستطع معرفة ما يحصل”.
كما يحدث في معظم جرائم الاعتداء الجنسي تكون الضحية في مواجهة رجل يملك السلطة ومحل مصداقية للجميع خصوصا إذا كان يملك إلى جانب سلطته مهنة تقدم على أنها مهنة للرعاية والخدمة فهنا تصبح أي شكوى من الضحية بمثابة اتهام لا أساس له:
“قام الممرض بإمساك يدي وتمريرها على أعضاءه التناسلية وكان ينظر إلي ّبحقد كنت خائفة وحاولت سحب يدي، ذهب ثم عاد مجددا بورقة كتب فيها”
أنت جميلة وأحبك عيناك كالتنويم المغناطيسي كوني معي” قمت بتجاهله وأخذ الورقة معي كدليل ولكنه قام بتهديدي وكان على وشك الاعتداء علي بالضرب، شعرت بالخوف وأعطيته الورقة وبدأت بالبكاء واتصلت ليأتي أحد أفراد العائلة لأخذي، بعدها قمت برفع شكوى ضده ولكنه أنكر فعلته وقال بأني مجرد طفلة لا يجب أن يتم تصديقي”.
“ذهبنا أنا وأختي إلى عيادة قريبة لتلقي العلاج, قام الطبيب بفحصي وبدأت بارتداء ملابسي، وحين قام بفحص أختي رأيته يضع يده بين فخذاها فصرخت بصوت عالي وذهبت لأقدم شكوى ولكن لم يهتموا، لقد أتهموني بالكذب وقالوا بأن أختي مجرد طفلة لا تفهم ما يحصل”.
كما يقوم بعض الأطباء بجنسنة أجساد النساء عبر التعليقات الساخرة في الحوارات اليومية مع زملائهم، والتحدث بكل جرأة عن أجساد المريضات وكيف تبدو أشكال أعضائهن التناسلية واستغلال مواقعهم لجعل أعضاء النساء مكان للنظرات الذكورية الغير مريحة:
“تعرضت والدتي للتحرش من قبل طبيب نسائي كان يقوم بمحاولة رؤية المنطقة الحساسة بالرغم من أن الفحص لا يتطلب معاينة للمنطقة، إلا أنه قام بفعلها وكان ينظر بطريقة غريبة ومخيفة”.
“تعرضت قريبتي للتحرش من قبل طبيب تجميل كانت مخدرة ولكن شبه مستيقظة قام بلمس مؤخرتها وكان الممرضون يضحكون، كانت خائفة ولم تعلم هل يسخرون منها أم أنهم غير مبالون؟”
“كنت في مرحلة الامتياز بالطب وكنت في غرفة العمليات وكانت هناك امرأة ستجري عملية قيصرية وجاء الطبيب مبكرا بحجة التأكد من وضع قسطرة البول ولكنه وضع كرسيه وبدأ بالتأمل لدقائق في عضو المرأة شعرت بشيء غريب ولم أعلم كيف أتصرف ولكني شعرت بأن هذا خاطئ”.
عند تسليط الضوء على هذه الانتهاكات سيقول البعض بأنه لا يمكننا الحديث بهذا التعميم بما أن الأطباء ليسوا جميعهم متحرشين، وهنا تكمن المشكلة كيف نعلم إذا كان الطبيب متحرش أم لا؟ مادام أن التحرش ينتج عن تباين السلطة بين المعتدي والضحية فإن استغلال الأطباء المعتدين للمرضى ينتج عن سلطة معرفية وعن جهل المرضى بطريقة إجراء الفحوصات وأنواعها، ويكون الضرر أكبر إذا كانت الحالة الطبية تحتاج لعلاج يتم عبر اللمس أو التفحص، وبذلك لن تستطيع المريضة معرفة هل هذا تحرش أم علاج ؟
من الممكن أن يكون علاج أو قد يكون تحرش بشكل علاجي بحيث لا يتم التشكيك به! أو ما إذا كان الطبيب يقوم بالعلاج والفحص بطريقة صحيحة ولكن الطبيب يقوم بإنتهاك جسد الضحية بطريقة أخرى؟
بالطبع لا نستطيع منع الرجال من العمل في المجالات الطبية، ولا نستطيع كذلك تجاوز واقع الانتهاك والثقافة الذكورية التي تؤسس عليها المؤسسات الطبية، كما لايمكننا الحصول على عدالة من نفس المنظومة الأبوية، التي كانت السبب الرئيسي في تعرضنا للاضطهاد والعنف الجنسي والجسدي.
ولكني مؤمنة تماما بأنه يمكننا البدء بمواجهته إذا تمت توعية وإعطاء خلفية كاملة للنساء عن الثقافة الجنسية، والتي من ضمنها أنواع وطرق الفحوصات المهبلية والشرجية، وغيرها من مناطق الجسد، هذه الخطوة قد تساعد في توعية النساء، وبالتالي قد يلاحظن أو يستشعرن حصول شيء خاطئ أثناء تلقيهن للعلاج، هذا لن ينهي العنف الجنسي الذي يعتبر موضوعاً يتعلق بالسلطة الأبوية ككل لكن قد تؤثر معرفة النساء لأجسادهن وتحديد مواقف التحرش في مقدرتهن على كسر الصمت وبالتالي الضغط لأجل تحقيق العدالة.
كنساء منذ الولادة يتم سلب سيطرتنا على أجسادنا وتجهيلنا عنها وربطها بفكرة الشرف، ومنعنا من استكشافها، وبالأخص أعضاءنا ومعرفة طبيعة عملها، ومنعنا من الثقافة الجنسية الكافية، والتي سوف تساعدنا على التعرف على أجسادنا، والانتباه لأي تغيرات جسدية أو انتهاكات قد تحصل لنا، ولكن الأنظمة القائمة وعلى رأسها الدولة الأبوية والمؤسسة الدينية والعائلة لاتزال تشكل سلطة منيعة أمام حقنا في امتلاك أجسادنا والشعور بالأمان، حيث يتحول كل شيء ابتداءً من خروجنا للشارع وصولا لحق العلاج إلى تجربة مريرة مليئة بالصدمات والاعتداءات.
من المهم أن نخلق بيئة خالية من الوصم ولغة العار ولوم وتوجيه أصابع الاتهام للضحية، وهذا ما يقوم به المجتمع الأبوي الذكوري تجاه ضحايا التحرش والاغتصاب، ومن المهم أن نكسر حاجز التقديس لأي مكان تكون حياة وأجساد النساء فيه معرضة للخطر، من المهم أن نستعمل مساحاتنا لكسر الحصانة التي يتمتع بها الرجال في جميع المجالات وعلى رأسها المجالات التي تقدم كمجالات للرعاية والخدمة
.روني فيتالي
- On Aug. 19, members of Black Youth Project 100 staged a protest at the New York monument to Dr. James Marion Sims, an Alabama surgeon who performed surgeries on enslaved women without anesthesia. There are also monuments to Sims in Alabama and South Carolina. (Photo from the Black Youth Project Facebook page.)