مستقبل المرأة في ضوء الصراع بين الاشتراكية والرأسمالية
الكاتب: د.خليل أحمد خليل
لا بد لنا من كشف مسار الاستعباد الذي عرفته المرأة، والذي ادى الى تصادم الرأسمالية والاشتراكية. يلاحظ جان فريفيل(1): إن استعباد المرأة قد تواقت زمنيا مع تلك المرحلة مما قبل التاريخ التي نهضت فيها الاسرة لمعارضة القبيلة، وتطورت فيها الملكية الخاصة، وانقسم المجتمع الى طبقات ومهد الطريق لولادة الدولة بهدف السيطرة على التناحرات الطبقية الرجل كان يتعاطى الصيد البري والبحري، والمرأة كانت تهتم بتغذية ذريتها وحمايتها. وكانت نشاطات المرأة المتعددة تعطيها الاولوية على الرجل – لأنها كانت مدعوة للحفاظ على النوع البشري . فكانت الالهة المسؤولة عن الخصب أو المانحة الذكاء، والعرافات اللائي يقرأن المستقبل، والجنيات والساحرات المقلدات سلطة فائقة للطبيعة، من الجنس المؤنث، وبذلك كانت المرأة – واهبة الاسرار والمعجزات – تجسد قوى ما وراء الطبيعة ، القوى الساحرة الغامضة . ومع اكتشاف النحاس والبرونز والحديد وصنع الاسلحة والادوات المعدنية وولادة الحروب، ارتفع شأن الذكر، وانقلب تقسيم العمل، وانحط عمل المرأة المنزلي الى مرتبة ثانوية. وظهرت الاسرة الرعوية، وأصبحت المرأة أداة عمل وانجاب، وبدلا من ان تكون تابعة لدائرة أبيها اصبحت تابعة لدائرة زوجها وصارت تقايض مقابل ماشية او اسلحة، وأمست كل بادرة خيانة زوجية منها تعاقب بالموت، وانتقلت المرأة الى معاناة اضطهاد مزودج : داخل المجتمع ككل، وداخل الاسرة .
وجاءت الاديان والتشريعات لتكريس تبعية المرأة وعزلتها المطلقة : ايتها المرأة انت باب الشيطان، وليس بين كل وحوش الارض المفترسة من هو اشد اذي وضررا من المرأة ) .
وفي العصور الوسطى، كانت المرأة تعتبر ملكا للرجل، وكانت جزءا من الاقطاعة الغربية، ومصيرها بيد صاحب الاقطاعة … و اما زوجة القن فلم تكن اكثر من دابة ركوب بائسة محتقرة جاهلة، مسحوقة تحت وطأة الاقطاع . .
مع عصر النهضة الاوروبية، اكتسبت المرأة نوعا من الاستقلال وشاركت في الحياة الفكرية ووجدت من يدافع عنها. وكان على بنت الشعب ان تكتفي بأجر متدن للغاية. وفي سنة ١٧٩٠ ، الغت الثورة الفرنسية حق البكورية واباحت الطلاق بعد ذلك بعامين، ورفضت منح المرأة حقوقها المدنية وعملت الدولة البورجوازية على تثبيت نظام الاسرة : فقانون نابوليون جعل المرأة المتزوجة تحت وصاية زوجها ، انطلاقا من انها ملك لزوجها الذي تنجب له اولادا . وقال نابليون بونابرت امام مجلس الدولة : ان الطبيعة جعلت من نسائنا عبدات لنا . . وهكذا لم تكن الحرية البورجوازية تعني شيئاً آخر سوى ان المرأة و ملك منقول » ، « ملحق للرجل .
:
وطالب فورييه بالمساواة الحقوقية بين الجنسين وحرية العواطف واعتبر ان حرية النساء معيار حقيقي للتقدم الاجتماعي. وشددت فلورا تريستان على : و ان المرأة التي تريد ان تحرر النساء لا بد ان تتوجه للبروليتاريا » ، ه اقيموا البرهان أنتم المطالبين بالعدالة على انكم عادلون منصفون . اعلنوا انتم الرجال الاقوياء، انتم الرجال ذوي الزنود العارية، انكم تعترفون بالمرأة عدلا لكم.
ويحدد جان بابي ، في معرض حديثه عن شروط المرأة في العالم المعاصر، الشروط الأساسية التي يمارس من خلالها استغلال المرأة في كافة الميادين:
1 – ان الاضطهاد الطبقي الأول متواقت مع اضطهاد الجنس المذكر للجنس المؤنث .
2 – ان معظم الأديان أعلنت بدون محاججة دونية المرأة وحملتها وزر الخطيئة الازلية ) خطيئة الجسد وبنت حولها كمية من الخرافات أضفت الرجس والدنس على الفعل الجنسي الذي لم يعد مقبولا الا ضمن حدود سر الزواج المقدس » و « الزواج الشرعي ) .
3 – ان البغاء الذي يحتل مكانة هامة في مجتمع منقسم الى طبقات تعترف فيه القوانين والاعراف بتفوق الرجل لا يمكن ان ينفصل عن الزواج البرجوازي الذي هو تكملته الضرورية . وبهذا الصدد يقول انجلز : « ان وحدانية الزواج والبغاء نقيضان في العالم المعاصر ولكنهما غير قابلين للانفصال
4 – إعداد المرأة للعبوديات: أن الأسرة تعد البنت للزواج التقليدي، والمجتمع يفصلها عن الصبيان، وتشجع لتكون مرغوبة في نظر الذكر، وتزود بالاعيب افضلها الدمى وأدوات المطبخ، وتعطى لها ملابس مميزة، وتعد للتظرف و التبرج والتزين بالحلي، وتوجه نحو العناية بالاطفال وتعلم الخياطة والمطبخ.
ويعلن جان بابي(2) : إن تربية الفتاة تشكو من تناقض جوهري : فمن جهة أولى تحاط ميولها الجنسية بسور من الإثم والتنفير ، ومن الجهة الثانية تلقن ان تكون موضوعا للرغبة الجنسية، ويشير الى الدعاية الهائلة في البلدان الرأسمالية المتقدمة لمسائل الازياء والتجميل والتبرج . ان الحاجة الى التأنق والتجمل حاجة طبيعية لدى الانسان ولكن في الظروف الراهنة لمجتمعاتنا تمثل هذه الحاجة شكلا خطيرا من اشكال استلاب المرأة وتحويلها عن النشاطات التي يمكن ان توفر لها تلبية اعمق واكثر دواما …. فلا تعود المرأة ترى في نفسها سوى أداة لاستثمار شهوة الذكور . ه – ان الاعتراف بحقوق المرأة السياسية في المجتمع البورجوازي لا يحدث تغييرا ثوريا في حياة الامة السياسية – حق النساء السلبي في الانتخاب. اذن مسألة المرأة مسألة سياسية، و واذا كنت تريد ازالة البؤس الجنسي، فناضل اذن في سبيل الاشتراكية » .
وفي الولايات المتحدة الاميركية قلعة الامبريالية الرأسمالية المعاصرة، ناضلت المرأة لنيل حقوقها وحريتها، فالی این وصلت؟ تقول اليانور فلكنر ، الكاتبة الاميركية كانت النساء المتزوجات على وجه الخصوص يقاسين من الموت المدني دون ان يتمتعن بحق التملك أو بكيان او وجود قانوني منفصل عن ازواجهن. وكان الموت المدني يطبق على جميع النساء في المسائل السياسية ايضا، ولكن لا يكاد يعد ذلك خطأ زمنيا في مجتمع .
كان
يقصر الحقوق المدنية على بعض فئات ذكوره المنتقاة عادة من طبقة الملاكين ( المستعمرين). وتوضح اليانور فلكنر : ان البروتستانتية اعتبرت البطالة خطيئة، والزمت المرأة بالعمل. ولكن العبدة ( الزنجية الاميركية) لم تكن تملك اية حماية ضد النزعات الجنسية لأي رجل ابيض . وهنا سؤال : ماذا تستطيع المرأة عمله من اجل الرقيق، بينما ترقد هي نفسها تحت اقدام الرجل بخزي وعار؟ ان جنسنا بأكمله يحتاج الى التحرر من عبودية الرأي العام، ونحن نصيرات الغاء الرق، نقوم بقلب الدنيا رأسا على عقب (3).
ويعتبر مؤتمر سنكافولز عام ١٨٤٨ تاريخ بدء حركة حقوق المرأة الاميركية. وما تمكنت من تحقيقه ينحصر بما يلي: حقها في الانتخاب سنة ۱۹۲۰ ، ( والمرأة التي لا تجيد صنعة بدأت العمل الكثيف في الخياطة، بينما شاركت المرأة الاميركية العاملة في الاتحادات العمالية مثل صناعة السجاير (١٨٦٧) وعمال المطابع (١٨٦٩). ثم اكتسبت حقها في الانتظام في اتحاد عمل، وظل الشكل السائد لتجمعها : جمعية حقوق المرأة، وجمعية النساء العاملات. وهذه الاشكال يجري تقليدها في البلاد العربية، وبما انها لم تعط ثمارا في البلاد التي ظهرت فيها ، فكيف يمكن انتظار اي اسهام فعلي في التغيير الثوري على يد هذه الجمعيات ؟
يصف هربرت ماركوز (4) وضع المرأة في الرأسمالية قائلا : . هكذا تتوارى الحياة متحولة الى لا شيء فان الأتمتة تبتلع الاشياء والثياب والاثاث والمرأة والخوف من الحرب ويحلل في كتابه الحب والحضارة (5) الاستلاب الجنسي للمرأة في المجتمع الرأسمالي المتقدم، والذي ينعكس بدوره على المجتمعات المتخلفة عبر العلاقات الاستعمارية القديمة والجديدة، ومنها المجتمعات العربية. يقول: بقدر ما يصبح للجنس قيمة تجارية محددة، او بمقدار ما يصبح علامة امتياز او علامة عن كون اللعبة تلعب بحسب قواعدها فان الجنس يتحول الى اداة للتماسك الاجتماعي .. ويعلل ذلك باعتبار مبدأ اللذة Eros حتميا ، شأنه شأن نقيضه (ثاناتوس Thanatos او غريزة الموت)، فكلاهما يتصارعان لبلوغ للذة التي لا تسمح بها الحضارة – الحضارة هذا الكفاح ضد الحرية . ويمثل على ذلك بالقبيل الابتدائي حيث كان الاب يحتكر السلطة واللذة، وان مبدأ الواقع الذي ينبغي ان يعاد بناؤه باستمرار خلال تكون الانسان يدل على ان انتصار الواقع على مبدأ اللذة لا يتم ولا يتأكد، اذ ما تتحكم به الحضارة وتكبته – أي مبدأ اللذة وتطلعاته الدائمة يستمر موجودا في الحضارة ذاتها والفرد يمسي رجعيا بغريزته، فهو يمارس لا شعوريا قسوة تتوافق احيانا مع المرحلة الطفولية من تطوره، ويعاقب ذاته على افعال لم يرتكبها او على تلك التي لا تقبل التوافق مع الحضارة والانسان المتحضر. وهكذا كانت الحضارة الرأسمالية الحديثة تسلطا منظما، او تنظيما للقمع وبالأخص قمع النزعة الجنسية. ويقول ماركوز : ربما كان التابو الذي منع ارتكاب المحرمات هو اول محاولة ضد غريزة الموت: ان الاب الابتدائي يمنع ابناءه من ارواء ميولهم الجنسية المباشرة، فهو يفرض عليهم الصفة – ومن هنا نشأت الروابط العاطفية – ، وتحرير الغرائز يتضمن انحلالا لهذه الاخلاق القديمة …
ومن نفس المنظور، يعالج ويلهلم رايش (6) مشكلة المرأة والجنس في الرأسمالية، معتبرا ان نواة السعادة في الحياة انما هي السعادة الجنسية، مناديا باتلاف الاخلاقية الاستبدادية ) ازالة الكوابح الجنسية والقلق الجنسي)، اذ انه خلال عملية التطور، تزول تدريجيا لدى المريض الجنسي تزعات التصوف والتدين والتبعية من الطراز الطفولي، مثلما تتلاشى الميول الى المعتقدات الخرافية كالفأل والتطير الخ . ويشير الى ان الذين اكتسبوا قابلية اشباع شهواتهم الجنسية ببلوغ ذروة المتعة هم اقدر على اقامة علاقات زواج احادية، من اولئك الذين يعانون من الركود الجنسي. ومن هذه الزاوية لا يوجد أي فرق بين الرجل السليم والمرأة السليمة .
ولكن سلوك اكثر الناس في المجتمع الرأسمالية المتقدم والمتخلف – ومنه المجتمع العربي عموما – مضطرب جنسيا، وأمانتهم لا تقوم على أساس اشباع رغباتهم الجنسية، بل على اسس منظومة من حالات الكبت الخلقية : ان القمع يخلق القاعدة النفسانية الجماعية لثقافة معينة، وهي الثقافة الأبوية الرعوية ( البطريركية) بمختلف اشكالها. وما هو غير صحيح ولا مضبوط هو التأكيد بأن القمع الجنسي هو في أساس الثقافة بصورة عامة . فالمصابون بداء العصاب تنخفض قدرتهم على العمل وتتدنى قدرتهم الجنسية.
إن الكبت الجنسي لا يجعل الاشخاص مرضى وحسب، بل يجعلهم ايضا عاجزين عن العمل والانجاز الثقافي . وظاهرة القتل بسبب هياج الجنس لا تبرز الا حينما تتكون مؤسسة القمع الاجتماعي لحياة العشق الطبيعية .
ويشدد رايش على تعفن المجتمع الغربي بصدد الامانة الجنسية بين الشريكين، مناديا بازالة العبودية الاقتصادية للنساء والأولاد، وازالة ما تولده العائلة الاستبدادية من بغضاء فالاصلاح الجنسي مرتبط بتغيير البنية الاقتصادية للمجتمع ، ولن يفهم الرجعيون أبدا ان البؤس الجنسي يشكل جزءا لا يتجزأ من النظام الاجتماعي الذي يدافعون عنه . ففي هذا النظام الطبقي هبطت قيمة الزواج وتزايدات تزايدا كبيرا حالات الطلاق والزنا. ان الزواج الاحادي يؤدي الى نشوء الزنا وطهارة الفتيات بالكبت يقود الى نشوء البغاء والزنا والبغاء هما نصيب الاخلاقية المزدوجة التي تمنح للرجل قبل الزواج وبعده على حد سواء، وترفض منحه للمرأة، وذلك لاسباب اقتصادية ويحدد ويلهلم رايش الوظيفة السياسية للعائلة في المجتمع الطبقي بان تجدد نفسها بتشويه افرادها جنسيا ( ديمومة الكبت، اضطرابات جنسية امراض عصابية، حالات جنون جرائم جنسية) وجعل الفرد خائفا من الحياة جبانا امام السلطة، وبهذا تلعب العائلة البورجوازية دور الحصن للنظام الاجتماعي الرجعي ويكون رب العائلة تابعا في الانتاج، متذللا في تنفيذ اوامر سواه، سيدا في العائلة. وبكلمة يشكل الخوف من النشاط الجنسي والرياء الجنسي طباع البورجوازية. والانسان المكبوت المتصلب المتزمت، يكون مهيئا لقبول كل نوع من أنواع الايديولوجية الرجعية والتربية الرامية الى تحقيق تفوق الرجل تجعل الروح الرفاقية ازاء المرأة مستحيلة. اذن لا بد من ابدال الصلات العائلية بصلات اجتماعية جماعية: فالمرأة ذات السلوك العائلي والزوجي فحسب، تحس بالغيرة حين ينخرط الزوج في الحياة السياسية، وهي تخشى ان تكون له علاقات نساء اخريات، وسيكون لدى الزوج السائر على النمط الابوي الرعوي (البطريركي) رد الفعل ذاته حين تأخذ زوجته بالاهتمام بالسياسة والابوان حتى البروليتاريان، لا يحبان ان تشترك فتياتهما في الاجتماعات … اذن ما العمل ؟ هل تقدم الاشتراكية الحل الجذري لمشكلات المرأة ؟
ان الرأسمالية تجعل المرأة لعبة للرجل كما بينا سابقا، والانظمة العربية المتخلفة تضع المرأة في اوضاع مسحوبة على صورة العلاقات الاضطهادية السائدة في المجتمعات الرأسمالية والاستعمارية الغربية . واذا كانت المرأة في المجتمعات المتخلفة تتجه عموما نحو المشاركة في حركات التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي، فانها في نهاية المطاف ستكتشف طريقها الاشتراكي . نضالها الطبقي المشروط بجذرية ارتباطها بالعمل والوعي السياسي الناجم عنه، فماذا تقدم الاشتراكية من حلول جذرية لمشكلات المرأة في العالم الراهن ؟
لقد اعلن ماركس وانجلز حل مشكلة المرأة بربطها بالنضال الطبقي وبالتحويل الثوري للعالم. ودحض ماركس فكرة و مشاع النساء، التي كانت تقول بها و الشيوعية الامية ) . واوضح انجلز: ان النساء والاطفال الضحايا المفضلة للرأسمالية، فأصحاب المغازل يفضلون النساء على الرجال لانهن يعملن اكثر وبأجور اقل. وفي البيان الشيوعي أكد ماركس وانجلز: ان المجتمع الاشتراكي، اللاطبقي، هو وحده الذي سيحرر المرأة ويلغي كل بغاء سواء كان رسميا أم غير رسمي. وفي رأس المال، يقول ماركس: ان المساهمة في الانتاج والتحرر من الاستغلال الرأسمالي هما المرحلتان الاساسيتان لتحرر المرأة. وفي كومونة باريس سنة ۱۸۷۰، شاركت أكثر من عشرة الاف امرأة في الدفاع باستبسال، وتألفت جمعية باسم « اتحاد النساء للدفاع عن باريس وللعناية بالجرحى.
وبين انجلز في كتابه «اصل الاسرة والملكية الخاصة والدولة»: ان عبودية المرأة مرتبطة بظهور الملكية الخاصة، واكد ان موقف الرجل من المرأة يحدد درجة تحول سلوك الانسان الطبيعي الى الانسان الاجتماعي. ولقد فضح ماركس وانجلز الاكراه الاقتصادي الذي تفرضه الرأسمالية على العلاقات بين الرجل والمرأة كما فضحا التمرد الفوضوي على الزواج البورجوازي، وأدانا هذا التمرد الذي اتخذ شكل ادانة وحدة الزواج، شكل شيوعية جلفة تدعو الى مشاع النساء واباحة معممة تفضي باسم الحب الحره الى بغاء عام. واستنتجا لا يمكن ان تحرر المرأة الا بانتصار الاشتراكية، ولكن لا اشتراكية أيضا دون مساهمة فعلية للمرأة . اذن كيف تنظر الشيوعية الى الزواج؟ يقول دافيد ريازانوف(7) ان الغاء الملكية الخاصة يحرر المرأة ويهدم تبعيتها للزوج وتبعية الاولاد للاهل. فالزواج هو : اتحاد حر مفتوح لرجل مع امرأة، والطلاق حر أيضا . الماركسية تقف ضد الشيوعية الجلفة التي تعتبر المرأة مشاعا وملكية عامة ( مقابل البورجوازية : المرأة ملكية خاصة). ان البورجوازيين هم اقل الناس حقا في لوم العمال على الشطط الجنسي، لان البورجوازيين يساهمون هم انفسهم في تطوير البغاء ( انجلز ) . و و البورجوازي الفاسق يخرق الزواج ويرتكب الزنا سرا». ان تعدد الزوجات ظاهرة خاصة بالمجتمع البورجوازي ومتحققة بواسطة البغاء ولكن على اي قاعدة ترتكز العائلة البورجوازية في الوقت الحاضر ؟ انها ترتكز على الرأسمال والربح الفردي، والبورجوازية ليست سوى مشاع النساء المتزوجات واحادية الزواج la Monogamie هي ثمرة انتصار الملكية الخاصة على الملكية البدائية المشاعية، وهي لن تختفي ولكنها ستحقق لاول مرة في التاريخ، يوم تصبح وسائل الانتاج ملكية اجتماعية. ولكن زوال الاقتصاد الخاص لا يعني سوى تطور الاسرة التي تتحول من وحدة اقتصادية الى وحدة اخلاقية خالصة .
واما لينين فقد لاحظ ان المسائل الجنسية والزوجية في ظل نظام الملكية الخاصة تثير مشكلات عدة، وانها أحد اسباب الصراع والالم بالنسبة الى النساء من جميع الطبقات والفئات الاجتماعية. وقال: انني لا اضمن الثقة ولا الحزم بالنسبة الى النساء اللاتي يختلط خيالهن الشخصي بالسياسة، ولا بالنسبة الى الرجال الذين يجرون وراء كل تنورة ويقعون صرعی اول حسناء يرونها . كلا ان هذا لا يتفق والثورة. ان الشطط في الحياة الجنسية علامة على الانحطاط البورجوازي والبروليتاريا طبقة صاعدة، وهي ليست بحاجة لان تسكر وتدوخ وتثار، انها لا تطلب الثمل ولا الافراط في الجنس والكحول . واعتبر لينين ان الحب الحر» مطلب بورجوازي » وليس بمطلب ،بروليتاري، والمسألة كلها برأيه هي المنطق الموضوعي للعلاقات الطبقية في الحب . ان المخرج الوحيد للمرأة العاملة والفلاحة من هذا الوضع هو في انضمامها للحركة العمالية لان انتصار الطبقة العاملة وحده هو الذي يستطيع تحرير العاملة والفلاحة وان نمو الصناعة الكبيرة يخلق قاعدة التحرر الجذرية للمرأة كذلك فان الاستثمارات الفلاحية الصغيرة المتوسطة كانت تودي بالمرأة الريفية الى عبودية رهيبة – كانت تربطها ربطا وثيقا بالاقتصاد الفردي وتضيق افق تفكيرها، وتجعل منها عبرة لزوجها الذي كان يضربها حتى الموت. كما كان الاقتصاد الفلاحي الصغير يخلق بيئة صالحة للتعليم الديني القائل : كل واحد لنفسه والله للجميع». وان المرأة في المجتمع الرأسمالي تحتل شرعيا مكانة ادنى من مكانة الرجل، لذلك يكون اشتراكها في الحياة السياسية اقل من اشتراك الرجل بكثير. وما الديموقراطية البورجوازية سوى ديموقراطية التعابير الفخمة والاقوال الطنانة والوعود الرنانة والشعارات الجميلة عن الحرية والمساواة، لكن هذه العبارات كلها تخفي الاستعباد وعدم المساواة للمرأة، كما تخفي الاستعباد وعدم المساواة للشغيلة والمستثمرين. ان البروليتاريا لا تستطيع ان تتحرر تماما الا اذا تحققت الحرية التامة للمرأة والمساواة الاجتماعية المطلقة. ولهذا فلا بد من قيام تنظيمات خاصة للعمل بين جماهير النساء الواسعة .
ان الوطن العربي بمجمل اجزائه يناضل ضد الرأسمالية والاستعمار والصهيونية الفاشيستية، ونضال المرأة العربية لا يمكنه الا ان يقترن بحركة التحرر الوطني وبمضامينها التقدمية واشكالها الكفاحية الثورية، القتال في حرب شعبية طويلة المدى تحرر الانسان والارض، تمهد الطريق الصحيح لبناء الاشتراكية بايدي الطبقة العاملة العربية، النساء والرجال معا ، وتوحد الشعب المنتمي الى امة واحدة والمضطهد أينما وجد اشد اضطهاد .
وخلاصة القول: لا تحرر عربي دون نضال المرأة جنبا الى جنب مع الرجل، ولا حل لمشكلة المرأة دون تحرير الوطن وتوحيده وبناء الاشتراكية التقدمية العلمية على أرضه . ولقد اثبتت ذلك التجربة الاشتراكية والتحررية في أقطار عديدة من العالم ، وتأكد ما يلي:
– ارتباط مصير المرأة بالتطور التاريخي، وحصولها على حقوقها وحرياتها الفعلية مرتبط جذريا بحصول كل الكادحين على حقوقهم وحرياتهم .
– الاشتراكية تناضل ضد الفجور وتشريك النساء، وتعمل لاجل الزواج القائم على الحب، ولاجل فرح الحياة والرفاه المرتبطين أيضا بالحب ينبغي ربط حياة الرجال والنساء بالكلمة التي توحد بيننا ، رفاق ، ( مايا كوفسكي ) .
– ان قضية المرأة ترتبط ايضا بقضية الفرد المضطهد لاسباب اجتماعية واقتصادية ( قضية المجتمع والجنس ) .
– وان الاشتراكية استطاعت وحدها ان تنشيء لاول مرة في التاريخ هذا النمط النوعي من الحب الذي يجمع بين هبة الذات وبين مثل أعلى يتجاوز الحب بالذات بين غبطة الحواس والاخوة التامة بين الرجل والمرأة : الرفيقين كليهما، زميلي الكفاح معا من أجل الانسانية الجديدة، انسانية الاشتراكية التي توحد الارض والجنس البشري تحت راية التقدم والعدل والسلام والديموقراطية والحرية الكاملة للجميع.
(1) المرأة والأشتراكية، دار الآداب، ب . ت .
(٢) المرأة والاشتراكية .
(۳) نضال المرأة لنيل حقوقها ، دار اليقظة ، دمشق ۱۹۵۹ .
(٤) نحو ثورة جديدة، بيروت، دار العودة ۱۹۷۱
( ٥ ) دار الآداب، بیروت ۱۹۷۰ .
( 6 ) الثورة والثورة الجنسية، دار العودة ، بيروت ۱۹۷۲ .
(۷) المرأة والاشتراكية : راجع مقالته .
(۸) لينين والمرأة ، دار الجماهير ، دمشق ۱۹۷۰ .
-الرأسمالية, الرأسمالية وسلبياتها, مداخل للرأسمالية, ما هي الرأسمالية